جذور العلم - الحلقة 193 - قاتل الأطفال الغامض

  • 6 years ago
من يهتم بدراسة تاريخ الأمراض والأوبئة التى حصدت أرواح الملايين من البشر ، سيجد الكثير من التفسيرات البدائية التى لا تستند الى علم حقيقي ، ولعل أبرز هذه الأمراض ، كان مرض الطاعون الأسود ، الذى حصد أكثر من ثلث سكان أوروبا فى القرن الرابع عشر ، والذى اختلفت التفسيرات حول طبيعته ، منها ما هو غيبى له علاقة بالجن والعوالم السفلية ، ومنها ما يعتقد أنه بخار سام فى الجو ، وغيرها من التفسيرات ، إلى أن تطورت العلوم والمعارف فى القرن التاسع عشر ، وتم التعرف على علم الكائنات الدقيقة ، واستطاع العالم ألكسندر اميل جان يرسن (22 سبتمبر 1863 - 1 مارس 1943) أن يكتشف العصية المسؤولة عن الطاعون الدملي عام 1894. وبالتالى تم الوصول إلى علاج بسيط لهذا المرض الغامض .
فى هذه الحلقة من البرنامج ، نتناول قصة أحد الأمراض الغامضة التى انتشرت فى عام 1994 فى مقاطعة كليفلاند بأمريكا ، حيث استقبلت احدى مستشفيات الأطفال حالة من حالات الإختناق مصحوبة بحالة نزيف الرئة لطفل رضيع ، وفى خلال أسابيع قليلة تم استقبال أكثر من ثلاثين حالة أخرى ، هذه الحالات أربكت الأطباء بشكل كبير ، لأنهم لم يتمكنوا من معرفة السبب وراء هذه الظاهرة المرضية ، مما جعلهم يبحثون بشكل مكثف لمعرفة تاريخ الحالة المرضية ، والبحث عن الأسباب الحقيقية خلفها ، فالطفل المصاب له أخت قريبة من عمره ، لكنها لم تصاب بشئ ، وبمقارنة نسبة الأطفال التى أصيبت بهذه الحالة فى المدينة بالنسب العالمية ، وجدوها ألف ضعف للحالات المسجلة ، ومع وصف بعض العلاجات التى لم تجدى نفعا مع الطفل ، اضطر الأطباء الى استدعاء عالمة متخصصة فى الأوبئة وهى روز ايتزل ، للوقوف على أسباب هذا الوباء الغامض ، ومع الدراسات المتعددة التى قامت بها هذه العالمة مع فريقها البحثي ، بأخذ عينات من الهواء ومن الماء ومن التاريخ الوراثي لعائلات الأطفال المصابة ، تمكنت من الوصول الى سبب الإصابة بهذه الحالة الغريبة ، وهى بعيدة تماما عن كل ما سبق دراسته ، اذ توصلت الى إحدى الدراسات المنشورة منذ أربعون عاما تشير إلى أحد الفطريات الخطيرة التى كانت تتسبب فى موت الماشية ، بسبب تعفن الحبوب والأعلاف الخاصة بالحيوانات ، حيث تفرز هذه الفطريات بعض السموم الفطرية Mycotoxins التى تسبب نزيف الرئة ، هذه الفطريات تنمو على أى نباتات أو أعشاب بها نسبة من الرطوبة ، وبفحص منازل الأطفال المصابة ، تم التوصل إلى أن هذه المنازل بها تسريب فى مياه الصرف أدت الى رطوبة فى المنازل ، ونتج عنها نمو هذه الجراثيم الفطرية ، والتى انتقلت عبر فتحات التهوية لتصيب الأطفال ، حيث تفرز هذه الفطريات سموم الترايكوسيكين التى تسبب موت الخلايا ونزيف الرئة ، وتختلف نسبة الإصابة لدى الأطفال باختلاف نسبة السموم فى هواء المنازل .
ومن الأشياء الخطيرة التى نتعرض لها فى بيئتنا بشكل كبير ، هى التعامل مع بقايا الخبز ، أو تركه حتى يجف وتنمو عليه الأعفان ، إذ أن هذه الأعفان تقوم بإنتاج العديد من السموم التى تسبب الكثير من الأمراض وتعرض حياة الإنسان والحيوان الى مخاطر كبيرة ، فبتجميع بقايا هذا الخبز وتغذية الحيوانات والطيور عليها ، او إستخدامها فى محلات الأطعمة وإضافتها على عجينة الفلافل أو الأطعمة ، تتسبب مع الوقت فى تراكم هذه السموم الفطرية بجسم الإنسان ، مما يؤدى الى أمراض الكبد والكلى والرئة ، والكثير من الأعراض المرضية الأخرى .

Recommended