Skip to playerSkip to main contentSkip to footer
  • 2 days ago
علم اجتماع

Category

📚
Learning
Transcript
00:00في أن آثار الدولة كلها على نسبة قوتها في أصلها والسبب في ذلك أن الآثار إنما تحدث عن القوة التي بها كانت أولا وعلى قدرها يكون الأثر فمن ذلك مباني الدولة وهياكلها العظيمة
00:21فإنما تكون على نسبة قوة الدولة في أصلها لأنها لا تتم إلا بكثرة الفعلة وجتماع الأيدي على العمل والتعاون فيه فإذا كانت الدولة عظيمة فسيحة الجوانب كثيرة الممالك والرعاية كان الفعلة كثيرين جدا وحشروا من آفاق الدولة وأقطارها فتم العمل على أعظم هيكله
00:51ألا ترى إلى مصانع قوم عاد وثمود وما قصه القرآن عنهما وانظر بالمشاهدة إيوان كسرى وما اقتدر فيه الفرس حتى
01:04إنه عزم الرشيد على هدمه وتخريبه فتكاءد عنه وشرع فيه ثم أدركه العجز وقصة استشارته ليحيى بن خالد في شأنه معروفة
01:20فانظر كيف تقتدر دولة على بناء ما لا تستطيع أخرى على هدمه مع بون ما بين الهدم والبناء في السهولة تعرف من ذلك بون ما بين الدولتين
01:35وانظر إلى جامع بني أمية بقرطبة والقنطرة التي على واديها والأهرام بمصر
01:43وكثيرا من هذه الآثار الماثلة للعيان تعلم منه اختلاف الدول في القوة والضعف
01:52واعلم أن تلك الأفعال للأقدمين إنما كانت بالهندام واجتماع الفعلة وكثرة الأيدي عليها
02:02فبذلك شيدت تلك الهياكل والمصانع ولا تتوهم ما تتوهمه العامة أن ذلك لعظم أجسام الأقدمين عن أجسامنا في أطرافها وأقطارها
02:16فليس بين البشر في ذلك كبير بون كما تجد بين الهياكل والآثار
02:23وإنما مثار غلطهم في هذا أنهم استعظموا آثار الأمم ولم يفهموا حال الدول في الاجتماع والتعاون
02:33وما يحصل بذلك وبالهندام من الآثار العظيمة فصرفوه إلى قوة الأجسام وشدتها بعظم هياكلها وليس الأمر كذلك
02:45ومن آثارها أيضا عطايا الدول وأنها تكون على نسبتها ويظهر ذلك فيها ولو أشرفت على الهرم
02:54فإن الهمم التي لأهل الدولة تتكون على نسبة قوة ملكهم وغلبهم للناس
03:02والهمم لا تزال مصاحبة لهم إلى انقراض الدولة
03:06واعتبر ذلك بجوائز ابن ذي يزن لوفد قريش كيف أعطاهم من أرطال الذهب والفضة والأعبد والوصائف عشرا عشرا
03:16ومن كرش العنبر واحدة وأضعف ذلك بعشرة أمثاله لعبد المطلب
03:23وإنما ملكه يومئذ قراره اليمن خاصة تحت استبداد فارس
03:30وإنما حمله على ذلك همة نفسه بما كان لقومه التبابعة من الملك في الأرض والغلب على الأمم في العراقين والهند والمغرب
03:40وفي تاريخ ابن الرقيق من ذلك أخبار كثيرة
03:45وكذلك كان عطاء البرامكة وجوائزهم ونفقاتهم وكانوا إذا كسبوا معدما
03:53فإنما هي الولاية والنعمة آخر الدهر للعطاء الذي يستنفذه يوما أو بعض يوم
04:01وأخبارهم في ذلك كثيرة مصطورة وهي كلها على نسبة الدول جارية
04:08فاعتبر ذلك في نسب الدول بعضها من بعض
04:12ولا تنكرن ما ليس بمعهود عندك ولا في عصرك شيء من أمثاله
04:18فتضيق حوصلتك عند ملتقة الممكنات
04:22فكثير من الخواص إذا سمعوا أمثال هذه الأخبار عن الدول السالفة بادر بالإنكار
04:30وليس ذلك من الصواب فإن أحوال الوجود والعمران متفاوتة
04:35ومن أدرك منها رتبة سفلى أو وسطى فلا يحصر المدارك كلها فيها
04:44ونحن إذا اعتبرنا ما ينقل لنا عن دولة بني العباس وبني أمية والعبيديين
04:52وناسبنا الصحيح من ذلك والذي لا شك فيه بالذي نشاهده من هذه الدول التي هي أقل بالنسبة إليها
05:02وجدنا بينها بونا وهو لما بينها من التفاوت في أصل قوتها وعمران ممالكها
05:11فالآثار كلها جارية على نسبة الأصل في القوة كما قدمناه
05:18ولا يسعنا إنكار ذلك عنها
05:22إذ كثير من هذه الأحوال في غاية الشهرة والوضوح
05:27بل فيها ما يلحق بالمستفيض والمتواتر
05:31وفيها المعاين والمشاهد من آثار البناء وغيره
05:36فخذ من الأحوال المنقولة مراتب الدول في قوتها أو ضعفها وضخامتها أو صغرها
05:44وكثيرا ما يعتري الناس في الأخبار كما يعتريهم الوسواس في الزيادة عن قصد الإغراب
05:52كما قدمناه أول الكتاب
05:54فليرجع الإنسان إلى أصوله
05:57ولكن مهيمنا على نفسه ومميزا بين طبيعة الممكن والممتنع بصريح عقله ومستقيم فطرته
06:05فما دخل في نطاق الإمكان قبله وما خرج عنه رفضه
06:10وليس مرادنا الإمكان العقلي المطلق فإن نطاقه أوسع شيء فلا يفرض حدا بين الواقعات
06:19وإنما مرادنا الإمكان بحسب المادة التي للشيء
06:24فإذا نظرنا أصل الشيء وجنسه وصنفه ومقدار عظمه وقوته
06:31أجرينا الحكم من نسبة ذلك الشيء على أحواله وحكمنا بالامتناع على ما خرج من نطاقه
06:38وقل رب زدني علما وأنت أرحم الراحمين
06:44والله سبحانه وتعالى أعلم

Recommended